لا شيء يُذكر

فالشِّعرُ يا صغيرتي هوسُ اللُّغةِ بأجراسِ المعنى

غير أنَّ الكلماتِ يخبطنَ صدري

كدحَّة البيوت المهجورة

رقِّقيْ نسيانكِ وغادري النّص

فالبلاغةُ تقتضي أن تخاطبي الرَّبّ

فينبتُ الصَّوت على شفتيَ ملحًا

وأيُّ ابتهالٍ هذا 

يتحيَّنُ خيالاتِ الصَّدى؟


وأيُّ مجازاتٍ تعاقر كُنْهها؛ كصورةٍ تتملَّص من تُرابها؟

لكأنَّني صفٌّ طويلٌ من أسماء الإشارة

هذان هو أنا

كُلُّهنَّ أنتِ


لا شيء يُذكر

ولكن أين أذهبُ بكلِّ هؤلاء الجاثمين

أمام ذكرياتٍ تتأفَّفْنَّ المكان 

وحين ترفعُ الأرضُ سربالها 

تبدو ساقُ الحقيقةِ أكثر نصاعةً

من رعافِ السَّماء!

قبْلكِ

كانت الأسماء صلاة الغائب

وأنا الجنازة

وحيْنَكِ 

شتان مابين ركَّعٍ وسجَّدٍ 

وعبادة. 


لا شيء يُذكر

فالأرصفةُ تشدُّ خطواتِها كسهمٍ

إلى وتر اللَّيل 

والمصطفّون خلف أقداحِ الحنينِ

يشربون خواتيمَ العتمة 

لا ضوءَ في حانةِ الفراغِ

هي ملهاةُ القيامةِ وقلنسوةُ الحياة!


فلتبدأ المُرافعة الآن

تغسلُ الرِّيح ملاءاتِها بأيدٍ من مكائدٍ

وهذا وجعُ الهبوبِ في صفيرِ القصبِ

وذيَّاك شالُها الرَّماديّ 

ما إن ألقته على الدُّنيا عادت مُبصرة

وهاتانِ دمعتانِ سقطتا سهوًا 

وهي تُلملمُ عيناها من وجوهٍ حاسرةِ الأقنعة


الشَّاهد الأوّل

رأيّتُها تعلِّقُ الفجرَ بملاقطِ الضّوءِ

وتحدِّقُ طويلًا في سكون الظهيرة

كمن يُراقب مُراهِقةً في مسائِها الأنثويِّ

أربعون درجةٍ تحت حزامِ القرنفلِ

وتسعون درجةٍ فوق مواعيدِ المطرِ


الشَّاهد الثَّاني

رأيتُها تُصفِّد الدَّمع بسلاسلٍ من قنَّب

وتلبسُ جسدًا من ورق 

كانت تهامسُ العراءَ كخليلين 

وتوزِّع اصابعَها السَّمينةِ _ بالتساوي_

على نارٍ تفتضحُ اليقين


أمّا أنا 

فرأيتُها تسوق المنعطفاتِ إلى مثواها

وتنظرُ من نافذةِ السَّماءِ إلى الحيرة

وبعد منتصف النَّعاسِ بغفوتين 

يتكاثرُ الموتُ بمعاطفه التُّرابية 

أمام أشباهِ الحلم.


أمّا أنا 

لا شيء يُذكر

فالشِّعر هوسُ اللُّغة بأجراسِ المعنى

ولكنَّني إذا دوَّنتُ ماتَ المعنى


-فادي حسن

 ١٦ تشرين الأوّل

٢٠٢١

------

للتواصل بخصوص النشر اضغط هنا