نتالي دليلة - تكتب مقتبس(من رواية ميرينا لا ترى الضوء...)
دخل ليطمئنَّ على ميرينا فوجدها نصف نائمة ، قبّلها على جبينها ثّم قام بفتح الدُّرج الخَشبيّ يَسار المغسلة و انتشلَ منه فأساً و خرج مُغلقاً الباب بكلّ هدوء ، جلسَ على كُرسيّه واضعاً فأسَه إلى يمينه و قام بفَتح الرّسالة و قِراءَتِها :
نِصفي الآخر أماليا ..
أكادُ أتلاشى مع كلّ ذرّة ميثوتريكسات تدخل جسدي من خلال هذا الثُّقب اللَّعين الذي صنعتْهُ تلك القثطرة الدّنيئة ، ترتفع حَرارتي إلى الأربعين درجة مئوية كلّ يومين أو ثلاثة، و أتعرّض إلى نَزيف بَولي مُستمرّ بكميّات كبيرة بحيث أحتَاج إلى نَقل أكيَاس دَم بِاستِمرَار ، لكنّ وريدي لَم يَعُد يَستطيع التَحَمّل
أختَنِق في كثير من الأحيان فَيغدُو التنفُّس كَرفع الأثقال عُسراً، و تَلتَهب عَيناي على الدّوام بشكل نَوبات مُفاجِئة مِمّا يُصَعّب عليّ الرُّؤية بشكلٍ هِستِيريّ فأجد نفسي أبكي وَجعاً و أصرخ ألماً و أضرب الحائط كشاردٍ فاقدٍ للعقل
أتقَيّأ حَوالي سَبع مَرّاتٍ في اليَومِ الواحِد، رُغم أنّني لا أتناول الطّعام أساساً ، أنا أتقيّأ المياه يا أماليا !
عداكِ عن الدّمار الذي تَجلّى في نَفسي المُدْنِفَة المُتّجِهة نَحو نِهايتها مُذْ بدأ شَعري يَتسَاقَط للمرّات الأولى
أنظر للمرآة فلا أرى حاجبين، أبحث عن رمشٍ خانَ المَرض و مَكَث هنا أو هناك ، فلا أرى إلّا رأساً أجْرَداً بهيئة كئيبة على موعدٍ قريبٍ مع الموت
فهلّا شَرحتِ لي كيف للدّواء أن يَكون أشدّ وَيلاً وَ دَماراً من الدّاء إلى الدّرجة التّي أرغب فيها أن أتوقّف عن العلاج و أنهال بأقسى أنواع الشتيمة على الميثوتريكسات و الأزاثيوبيرين و الإيماتينيب و غيره من قوالب لَفظيَة تُطلقون عليها بالدّواء الشّافي إلّا أنّ مَنْ جَرّبَهُا عَلِم أنّها سُمٌّ بطيء و مُبيدٌ فَتّاك يدخل أجسادنا الضعيفة بِخُبثٍ حاذِق و يكوي كلّ ذرة من تكوينٍ أصابهُ الورم فحكمَ عليه بالموت الحتميّ الذي لا مهربَ منه إلا إليه
إن كنتُ سأموتُ في جميعِ الأحوالِ يا أماليا لما جَعَلتِنِي أُقَاسِي آلام العلاج الكيماوي القاضية؟
اسمحي لي أن أموتَ بطمأنينة و سلام بينما يغزو السَّرطان بِـــلذّته الخَبيثة جِزءاً تِلو الآخر من تَكويِني المُنتَهي
تعالي و ارتمي في أحضاني فإنّ ساعاتي إلى زوال، و أيّامي إلى فناء
إنْ حدث شيء لي، فآدم و مِيلدا و تَوأمَي قلبي اللّذين لمْ أُجَالِسْهما بَعْد، بَعضٌ مَقسومٌ من روحي التي ستُحيط بكِ و تحميكِ و الأطفال بكلّ حرصٍ و مَحبّة سنةً تلوَ الأُخرى
رُغم عَجزي التامّ يَومَها ، إلا أنّكِ لن تنامي وحيدةً ما دُمتِ أنتِ حيّة فالحياة لمْ تَعُدْ لأمثالي ، سأنام حاضناً إيّاكِ وَ سَتغفو روحي عَلى هَمَساتكِ و تشدّ على باطِن كفّيكِ
سَأُحِيطُكِ بكامِل جناحِي مُكرّساً حياتي الأُخرى في الوجود المُوازِي في سبيلك و الأطفال ..
باختصار، لقد تحوّلتُ إلى ساعة رمليّة على وشك الانسلاخ إلى جسد فانٍ سيتوسّط قبراً ضيّقاً جداً، و روحاً لن تتخلّى عنكم حتى النّهاية
سوف تكونين أُمّاً عظيمةً و قدوةً شريفةً و بطلةً مبجّلة و سأبقى أحبّكِ حتى يتحلّل جَسَدي بفعل الطّبيعة إلى بقايا و ركام و رماد ..
سأبقى أحبّكِ حتى أنتقل من مرحلة الإنسان إلى اللّاشيء
لكن أرجوكِ، بلْ أتَوسّل إليكِ ..
كَنوعْ من الانتقِام لِــحُقوقِي المَسلُوبة و دُمُوعِي المَكبُوتَة ..
لا تُسامِحِي الميثوتريكسات على ما فَعَله بِـــرفيق دَربك أبَداً يا أماليا..
-زوجك المُخلِص لِيونيِد.
أمسكَ فأسهُ من جديد ..
ميريــنا لا ترى الضّـــوء - Myrina Doesn’t see the light
د.نتالي دليلة Natalie Dalila
-جميع حقوق النشر محفوظة و أي سرقة ستعرّض صاحبها لإشكال قانوني -
توضيح :
١)- الميثوتريكسات Methotrexate هو علاج كيميائي مُثبِّط للمناعة يستخدم في علاج السّرطان و أمراض المناعة الذاتيّة و الحمل الهاجر و الإجهاض الطبّي و الصدفيّة و غيرها
يُعالج سرطان الثّدي و اللوكيميا و الرّئة و الليمفوما و ساركوما العِظام
٢)-الأزاثيوبرين Azathioprine فهو دواء مُثَبِّط للمناعة يُستخدم غالباً لمنع رفض الأعضاء بعد زراعتها كما لهُ استخداماتهُ المهمّة في علاج السّرطان
٣)- الإيماتينيب Imatinib هو مثبّط التيروزين كيناز و يُستخدَم في علاج السّرطان تحديداً ما يُعرَف باللوكيميا النّخاعية المُزمنة و لوكيميا الخلايا اللمفاوية
إرسال تعليق
0 تعليقات